إن للمسجد في المجتمع الإسلامي دوره التاريخي يبقى بقاء العقيدة ويخلد خلود الإيمان ومن مناراته تعلو أصوات المؤذنين وتتكرر كلمات التوحيد التي توالت رسل الله تبينها لأممها واضحة المعالم نيرة السبل بينة المراسيم هذه العقيدة التي تجمع الشتيت وتلم الشعث وتربط الأفراد بعضهم ببعض دون نسب ولا صلة، فتذوب أمامها كل الفوارق، وتزول بها كل الحواجز..
بهذه العقيدة أصبح الحفاة العراة رعاة الشاة سادة وقادة..
وأصبحت الأمة الإسلامية مهيبة الجانب عزيزة السلطان موفورة الكرامة أقامت في إطار عقيدتها حضارة شامخة وحياة سعيدة.
ثم يلي ذلك النداء إلى الركن الثاني وهو إقامة الصلاة فتنعقد صلة العبد بربه بعد توحيده والإقرار له والإيمان به لتزاد عقيدته وتعلو ولتزداد تلك العقيدة سمواً ورفعة ويزداد صاحبها قرباً إلى الله.
فالصلاة عامل وقائي للفرد وللمجتمع من أن تتفشى فيه الفواحش أو المنكرات وهي وسيلة لمناجاة العبد لربه فتزكو نفسه وتنغرس فيها قوة قابلة للخير فتتكون بهذه النفس الطيبة أسرة صالحة تعمل لبناء المجتمع الناجح، فتكون الألفة شعارها والدين غايتها والمحبة ضالتها المنشودة فمتى تم هذا كما شرعه الله لا يكون بيننا جائع ولا عار ولن تسيل قطرة دمع لظلم ظالم أو طغيان جائر.
يلي هذا النداء مناجاة الله سبحانه وتعالى فتسعد بها النفوس.
إذن فالمسجد هو المركز الأول للإشعاع الروحي والعلمي لأنه مكان العبادة والتعلم وموطن التذكير والتفقيه والتوجيه.
فبيت الله الحرام قبلة المسلمين تتجه الوجوه شطره والأبصار نحوه تتحلق والجموع حوله، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل المدينة فيكون من أولى خطواته لبناء الدولة الإسلامية أن يقيم على هذه الأرض الطاهرة مسجده ليعلم الناس الخير ويجمعهم على عبادة الله.
ولم تكن رسالة المسجد في الإسلام قاصرة على الصلاة وحدها بل كانت المساجد ولا تزال مفتحة الأبواب لا يرد عنها طالب علم أو قاصد ثقافة.
ففي مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أقام فقراء المهاجرين وفي هذا المسجد استقبل الرسول صلى الله عليه وسلم الوفود ومنه انطلقت البعوث وأرسلت الجيوش.
ولقد كان هذا المسجد الجامعة الأولى التي ربى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه على يديه خير تربية فقهوا في دين الله فكانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العمل.
فكان الصحابة رضوان الله عليهم يختلفون إلى هذه المدرسة فيصيبون فيها علماً وهدى وفضائل وأدباً وأحكاماً ما اتسعت لذلك أوقاتهم وساعدت عليه ظروفهم.
ولقد كانت التربية العملية في هذه المدرسة الأولى لها المقام الأول في العناية لأنها نتيجة العلم وثمرته.
فأصبحت إطاراً لكل فضيلة وسياجاً من كل ظلم، ومناجاة من كل رذيلة، وحماية من كل كبر.
فكانت أساليب رسول الله صلى الله عليه وسلم في تربية أصحابه المثل الأعلى في تكوين الإنسانية بأسمى صفاتها.
فتخرج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المسجد بقيادة حميدة وتعاليم رشيدة يمضون في مسالك الأرض يقيمون الحق وينصرونه ويدعون الله فقادوا العالم إلى وجهة سليمة واتجهوا به إلى شاطئ السلام.
حملوا للعالم ديناً ينظم حياته، ويساير فطرته، ويسمو بإنسانيته، وأماطوا عنه حجب التشاغل وأزالوا عنه ركام المادة فاهتدت القلوب بعد الضلال، وسكنت النفوس بعد الاضطراب، فكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم علماء أجلاء وقواداً عظماء تسير الفتوحات أين ساروا، ضربوا للعالم بعد رسول الله أروع مثل في الإخلاص لدين الله مع شجاعة فائقة، ونضوج عقل، فاستطاع المسلمون في مدة وجيزة أن يقضوا على الدولتين العظيمتين الروم وفارس رغم ما كان لهما من القوة وشدة البأس، وأن يقلبوا التاريخ رأساً على عقب.
هذا كله من نتائج هذه البيوت التي أقيمت ليعلو فيها ذكر الله وتزدان بالتقوى وعبادة الله {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ, رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ}.
إن المسجد حصن من حصون الإسلام كيف لا يكون ذلك وفيه قرآن يتلى وصلاة تقام وتسبيح لله يرتفع.
كيف لا يكون المسجد خير ما يبنى على الأرض والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة».
ولهذا نرى أن المسلمين إذا نزلوا أرضاً أو فتحوا مصراً يكون عملهم الأول أن يبنوا مسجداً لله فهو موضع عبادتهم ومركز تجمعهم، ومجلس قضائهم علانية بأحكام الله، وما ذهبت دولة المسلمين وضاع سلطانهم واستهان بهم أعداؤهم إلا بانحرافهم عن عقيدتهم، وما زهد المسلمون في مساجدهم إلا يوم ضعف شأنهم وانحطت كرامتهم وتفرقت كلمتهم وتمزقت ديارهم.
وإننا لنرى اليوم الكثير من شباب المسلمين يبتعدون عن بيوت الله وهم يعلمون أنهم لن يقوم لهم مجد ولا عز ولن تصبح لهم كرامة وهيبة إلا بعودتهم إلى المساجد فتتعلق بها قلوبهم وتهوى إليها أفئدتهم فيعمرونها بالإيمان وإقام الصلاة {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلآَّ اللَّه} الآية.
فالمساجد بيوت الله لا يعبد فيها غير الله ولا يدعى بها إلا الله: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً}.
لقد عرفنا ما للمسجد في الإسلام من مكانة عالية ومنزلة رفيعة، وأنه بموضع القلب النابض لدى المسلمين، ولهذا نرى أن أول كيد في الإسلام كان كيد الذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وفي ذلك يقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادَاً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ, لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيه . فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ، أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ . وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
وإنه لا يخفى اليوم على كل مسلم ما تقوم به الصهيونية الخبيثة على سمع ومشهد من العالم من انتهاك لحرمات المسلمين، وتهديم لمعالم الهدى، وإطفاء لنور التقوى مع تقتيل الشيوخ والأطفال والنساء.
فأين نحن اليوم مما كان عليه أبطال بدر وأحد، وفرسان القادسية واليرموك؟ أين نحن من أولئك القوم الذين دافعوا عن رسالة الإسلام حتى أوصلوا أمانتها إلى من بعدهم سالمة كاملة فتناقلتها العصور حتى وصلت إلينا اليوم.
إنها رسالة الإنسانية الخالدة التي لا دواء لها من أوصابها إلا بها، وهي أمانة ثقيلة على من أثقل نفسه بالشهوات والأباطيل خفيفة على من عاد إلى فطرة الله وتحرى في أعماله سبيل الله، وقصد بجميع تصرفاته وجه الله.
ألا ما أحوج المسلمين اليوم إلى شباب يهضمون رسالة الإسلام فتمتزج بها نفوسهم، وتنبض بها قلوبهم، وتراها الأمم في أخلاق حملة أمانتها وفي أعمالهم وتصرفاتهم فتنقاد من ورائهم إلى هذا الحق.
لقد أمعن اليهود في غرورهم وتمادوا في طغيانهم وازدادوا في عتوهم دون أن تفل له صفاة أو تقصف لهم قناة.
يا عجباً كل العجب من تمادي هؤلاء المعتدين في باطلهم وفشل المسلمين عن حقوقهم.
أين نريد، أفراراً من الزحف؟ والله يقول: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} أم خوفاً من الموت والله يدعونا إلى الجهاد في سبيله ويعدنا جنة عرضها السموات والأرض أكلها دائم وظلها {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
إن المسلمين اليوم في حاجة ملحة إلى تمزيق حجاب الجهل بالدين الصحيح وذلك بالالتفاف حول عقيدة الإسلام الخالدة فهي لب الإيمان وجوهر الإصلاح، والعودة إلى تعاليم الدين الحنيف فهو الدين الوافي بمطالب الإنسانية الصالح لها في كل جيل يسد عوزها، ويكفيها عن مورد آخر تستقي منه حاجتها فقد أغناها الله بالمنهل العذب والمعين الذي لا ينضب.
وبذلك يكون المسلمون قد وضعوا أيديهم على مفاتيح العزة وأسباب السعادة فتزول الفرقة وتحل الألفة ثم تنطلق الجموع المؤمنة تقطع الفيافي وتتخطى المفاوز دون أن تتعثر خطاها أو تحيد عن غايتها فتدخل ساحة الوغى وميدان القتال لتحرر مساجد الله من عبث العابثين وظلم الظالمين، إذ أن أعظم بقعة يجب الدفاع عنها والقتال دونها بيوت الله التي ما أقيمت إلا ليعلو فيها ذكر الله.
وفي ذلك يقول الله تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}.
هذه هي مكانة المسجد في الإسلام استقيناها من نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام وهم القدوة الحسنة، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
بهذه العقيدة أصبح الحفاة العراة رعاة الشاة سادة وقادة..
وأصبحت الأمة الإسلامية مهيبة الجانب عزيزة السلطان موفورة الكرامة أقامت في إطار عقيدتها حضارة شامخة وحياة سعيدة.
ثم يلي ذلك النداء إلى الركن الثاني وهو إقامة الصلاة فتنعقد صلة العبد بربه بعد توحيده والإقرار له والإيمان به لتزاد عقيدته وتعلو ولتزداد تلك العقيدة سمواً ورفعة ويزداد صاحبها قرباً إلى الله.
فالصلاة عامل وقائي للفرد وللمجتمع من أن تتفشى فيه الفواحش أو المنكرات وهي وسيلة لمناجاة العبد لربه فتزكو نفسه وتنغرس فيها قوة قابلة للخير فتتكون بهذه النفس الطيبة أسرة صالحة تعمل لبناء المجتمع الناجح، فتكون الألفة شعارها والدين غايتها والمحبة ضالتها المنشودة فمتى تم هذا كما شرعه الله لا يكون بيننا جائع ولا عار ولن تسيل قطرة دمع لظلم ظالم أو طغيان جائر.
يلي هذا النداء مناجاة الله سبحانه وتعالى فتسعد بها النفوس.
إذن فالمسجد هو المركز الأول للإشعاع الروحي والعلمي لأنه مكان العبادة والتعلم وموطن التذكير والتفقيه والتوجيه.
فبيت الله الحرام قبلة المسلمين تتجه الوجوه شطره والأبصار نحوه تتحلق والجموع حوله، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل المدينة فيكون من أولى خطواته لبناء الدولة الإسلامية أن يقيم على هذه الأرض الطاهرة مسجده ليعلم الناس الخير ويجمعهم على عبادة الله.
ولم تكن رسالة المسجد في الإسلام قاصرة على الصلاة وحدها بل كانت المساجد ولا تزال مفتحة الأبواب لا يرد عنها طالب علم أو قاصد ثقافة.
ففي مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أقام فقراء المهاجرين وفي هذا المسجد استقبل الرسول صلى الله عليه وسلم الوفود ومنه انطلقت البعوث وأرسلت الجيوش.
ولقد كان هذا المسجد الجامعة الأولى التي ربى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه على يديه خير تربية فقهوا في دين الله فكانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العمل.
فكان الصحابة رضوان الله عليهم يختلفون إلى هذه المدرسة فيصيبون فيها علماً وهدى وفضائل وأدباً وأحكاماً ما اتسعت لذلك أوقاتهم وساعدت عليه ظروفهم.
ولقد كانت التربية العملية في هذه المدرسة الأولى لها المقام الأول في العناية لأنها نتيجة العلم وثمرته.
فأصبحت إطاراً لكل فضيلة وسياجاً من كل ظلم، ومناجاة من كل رذيلة، وحماية من كل كبر.
فكانت أساليب رسول الله صلى الله عليه وسلم في تربية أصحابه المثل الأعلى في تكوين الإنسانية بأسمى صفاتها.
فتخرج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المسجد بقيادة حميدة وتعاليم رشيدة يمضون في مسالك الأرض يقيمون الحق وينصرونه ويدعون الله فقادوا العالم إلى وجهة سليمة واتجهوا به إلى شاطئ السلام.
حملوا للعالم ديناً ينظم حياته، ويساير فطرته، ويسمو بإنسانيته، وأماطوا عنه حجب التشاغل وأزالوا عنه ركام المادة فاهتدت القلوب بعد الضلال، وسكنت النفوس بعد الاضطراب، فكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم علماء أجلاء وقواداً عظماء تسير الفتوحات أين ساروا، ضربوا للعالم بعد رسول الله أروع مثل في الإخلاص لدين الله مع شجاعة فائقة، ونضوج عقل، فاستطاع المسلمون في مدة وجيزة أن يقضوا على الدولتين العظيمتين الروم وفارس رغم ما كان لهما من القوة وشدة البأس، وأن يقلبوا التاريخ رأساً على عقب.
هذا كله من نتائج هذه البيوت التي أقيمت ليعلو فيها ذكر الله وتزدان بالتقوى وعبادة الله {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ, رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ}.
إن المسجد حصن من حصون الإسلام كيف لا يكون ذلك وفيه قرآن يتلى وصلاة تقام وتسبيح لله يرتفع.
كيف لا يكون المسجد خير ما يبنى على الأرض والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة».
ولهذا نرى أن المسلمين إذا نزلوا أرضاً أو فتحوا مصراً يكون عملهم الأول أن يبنوا مسجداً لله فهو موضع عبادتهم ومركز تجمعهم، ومجلس قضائهم علانية بأحكام الله، وما ذهبت دولة المسلمين وضاع سلطانهم واستهان بهم أعداؤهم إلا بانحرافهم عن عقيدتهم، وما زهد المسلمون في مساجدهم إلا يوم ضعف شأنهم وانحطت كرامتهم وتفرقت كلمتهم وتمزقت ديارهم.
وإننا لنرى اليوم الكثير من شباب المسلمين يبتعدون عن بيوت الله وهم يعلمون أنهم لن يقوم لهم مجد ولا عز ولن تصبح لهم كرامة وهيبة إلا بعودتهم إلى المساجد فتتعلق بها قلوبهم وتهوى إليها أفئدتهم فيعمرونها بالإيمان وإقام الصلاة {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلآَّ اللَّه} الآية.
فالمساجد بيوت الله لا يعبد فيها غير الله ولا يدعى بها إلا الله: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً}.
لقد عرفنا ما للمسجد في الإسلام من مكانة عالية ومنزلة رفيعة، وأنه بموضع القلب النابض لدى المسلمين، ولهذا نرى أن أول كيد في الإسلام كان كيد الذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وفي ذلك يقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادَاً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ, لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيه . فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ، أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ . وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
وإنه لا يخفى اليوم على كل مسلم ما تقوم به الصهيونية الخبيثة على سمع ومشهد من العالم من انتهاك لحرمات المسلمين، وتهديم لمعالم الهدى، وإطفاء لنور التقوى مع تقتيل الشيوخ والأطفال والنساء.
فأين نحن اليوم مما كان عليه أبطال بدر وأحد، وفرسان القادسية واليرموك؟ أين نحن من أولئك القوم الذين دافعوا عن رسالة الإسلام حتى أوصلوا أمانتها إلى من بعدهم سالمة كاملة فتناقلتها العصور حتى وصلت إلينا اليوم.
إنها رسالة الإنسانية الخالدة التي لا دواء لها من أوصابها إلا بها، وهي أمانة ثقيلة على من أثقل نفسه بالشهوات والأباطيل خفيفة على من عاد إلى فطرة الله وتحرى في أعماله سبيل الله، وقصد بجميع تصرفاته وجه الله.
ألا ما أحوج المسلمين اليوم إلى شباب يهضمون رسالة الإسلام فتمتزج بها نفوسهم، وتنبض بها قلوبهم، وتراها الأمم في أخلاق حملة أمانتها وفي أعمالهم وتصرفاتهم فتنقاد من ورائهم إلى هذا الحق.
لقد أمعن اليهود في غرورهم وتمادوا في طغيانهم وازدادوا في عتوهم دون أن تفل له صفاة أو تقصف لهم قناة.
يا عجباً كل العجب من تمادي هؤلاء المعتدين في باطلهم وفشل المسلمين عن حقوقهم.
أين نريد، أفراراً من الزحف؟ والله يقول: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} أم خوفاً من الموت والله يدعونا إلى الجهاد في سبيله ويعدنا جنة عرضها السموات والأرض أكلها دائم وظلها {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
إن المسلمين اليوم في حاجة ملحة إلى تمزيق حجاب الجهل بالدين الصحيح وذلك بالالتفاف حول عقيدة الإسلام الخالدة فهي لب الإيمان وجوهر الإصلاح، والعودة إلى تعاليم الدين الحنيف فهو الدين الوافي بمطالب الإنسانية الصالح لها في كل جيل يسد عوزها، ويكفيها عن مورد آخر تستقي منه حاجتها فقد أغناها الله بالمنهل العذب والمعين الذي لا ينضب.
وبذلك يكون المسلمون قد وضعوا أيديهم على مفاتيح العزة وأسباب السعادة فتزول الفرقة وتحل الألفة ثم تنطلق الجموع المؤمنة تقطع الفيافي وتتخطى المفاوز دون أن تتعثر خطاها أو تحيد عن غايتها فتدخل ساحة الوغى وميدان القتال لتحرر مساجد الله من عبث العابثين وظلم الظالمين، إذ أن أعظم بقعة يجب الدفاع عنها والقتال دونها بيوت الله التي ما أقيمت إلا ليعلو فيها ذكر الله.
وفي ذلك يقول الله تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}.
هذه هي مكانة المسجد في الإسلام استقيناها من نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام وهم القدوة الحسنة، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.